البحث في الموقع

التعديلات الجديدة على نظام إدارة الموارد البشرية: تطورات شاملة للنهوض بالقطاع العام الأردني

2025-01-13

في إطار جهود الحكومة الأردنية لتحسين أداء القطاع العام، جاء الإعلان عن التعديلات الجديدة على نظام إدارة الموارد البشرية كخطوة هامة لتحقيق التوازن بين حقوق العاملين واحتياجات الدولة لتقديم خدمات عالية الجودة. هذه التعديلات، التي تم الإعلان عنها خلال لقاء مع معالي الدكتور خير أبو صعليك، وزير الدولة لتطوير القطاع العام، تسعى إلى معالجة التحديات التي واجهت النظام السابق وإحداث نقلة نوعية في العمل الحكومي. فيما يلي مقال شامل يستعرض تفاصيل هذه التعديلات وأهدافها.

 

ملامح التعديلات الجديدة وأهدافها

 

في بداية اللقاء، أشار الدكتور خير أبو صعليك إلى أن الموارد البشرية تشكل إحدى الركائز السبعة لخارطة تحديث القطاع العام. منذ تولي الحكومة الحالية مسؤولياتها، وضعت نصب أعينها تطوير الأداء الحكومي من خلال مراجعة نظام إدارة الموارد البشرية الذي أثار العديد من الملاحظات منذ صدوره. بناءً على ذلك، تم تشكيل لجنة متخصصة بمشاركة هيئة الخدمة والإدارة العامة ووحدة تحديث القطاع العام، حيث عُقدت عدة لقاءات تشاورية مع خبراء ونواب وممثلين عن النقابات والأحزاب لتحديد التعديلات اللازمة.

 

أبرز التعديلات على النظام

 

1. الإجازة بدون راتب: مرونة أكبر وتوازن مطلوب

 

من بين القضايا الأكثر جدلاً، جاء تعديل نظام الإجازة بدون راتب ليعكس التوازن بين حق الموظف في تحسين وضعه المعيشي وحاجة الدولة للاحتفاظ بالكفاءات. النظام السابق كان يحدد مدة الإجازة بأربعة أشهر سنويًا، و12 شهرًا طيلة فترة الخدمة. أما التعديلات الجديدة، فقد رفعت الحد الأقصى للإجازة إلى خمس سنوات لمن يحصل على عقد عمل خارج الأردن أو لمرافقة الزوج/الزوجة، مع مراعاة شروط وضوابط تضمن عدم تأثير ذلك على سير العمل.

 

كما تم تخصيص سنتين لمن يرغب بالدراسة داخل المملكة، وخمس سنوات للدراسة خارجها. بالنسبة للموظفين الذين لديهم ظروف خاصة مثل رعاية أحد الوالدين، تم منحهم إجازة تصل إلى سنتين وفق معززات تُثبت الحاجة. هذه التعديلات عالجت أيضًا مسألة تثبيت الحقوق التقاعدية للموظفين خلال فترة الإجازة، من خلال إلزامهم بالاشتراك في مؤسسة الضمان الاجتماعي.

 

2. تحسين آليات النقل بين الدوائر

 

النقل بين الدوائر الحكومية كان يمثل تحديًا في ظل النظام القديم. التعديلات الجديدة وضعت إطارًا يعتمد على دراسات عبء العمل، بحيث يُسمح بالنقل فقط إذا كان هناك فائض في الكفاءات داخل الدائرة الأصلية ونقص في الدائرة الأخرى. هذا التوجه يهدف إلى ضمان توزيع عادل للموارد البشرية بما يخدم مصلحة العمل.

 

3. تعزيز العدالة في المكافآت والحوافز

 

تم تعديل نظام المكافآت ليشمل جميع العاملين، سواء تم تعيينهم قبل أو بعد تاريخ 1 يوليو، بما يحقق العدالة ويحفز الموظفين على الأداء المتميز. كما تم تخفيض مدة الخدمة المطلوبة في الدرجة الأولى من عشر سنوات إلى سبع سنوات، ما يتيح فرصًا أوسع للترفيع الوظيفي.

 

4. الاستقرار الوظيفي للعاملين بالعقود الشاملة

 

لحل مشكلات الاستقرار الوظيفي للعاملين بالعقود الشاملة، نصت التعديلات على احتساب متوسط إجمالي ما يتقاضاه الموظف في السنة الأخيرة عند توقيع عقد جديد، بدلاً من احتساب الراتب الشهري الأخير فقط. بالإضافة إلى ذلك، تم تعديل مدة العقود السنوية، بحيث تُصبح ثلاث سنوات بعد تحقيق تقييم أداء إيجابي لمدة ثلاث سنوات متتالية.

 

5. تقييم الأداء: نظام جديد للمصداقية والشفافية

 

ركزت التعديلات على تحسين نظام تقييم الأداء، حيث تم تحديد نسب مئوية صارمة لتوزيع التقييمات. فقط 10% من الموظفين سيحصلون على تقدير “إنجاز المهام بتميز”، بينما يتم توزيع باقي التقديرات وفق معززات واضحة. الجديد في الأمر هو حق الموظف في التظلم إذا شعر بعدم الإنصاف في تقييمه، سواء لدى دائرته أو هيئة الخدمة والإدارة العامة.

 

انعكاسات التعديلات على القطاع العام

 

تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن

 

أحد الأهداف الرئيسية لهذه التعديلات هو تحسين جودة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطن. مع تطبيق نظام تقييم الأداء الجديد، سيتم تحفيز الموظفين المتميزين بمكافآت تصل إلى 150% من راتبهم، مما يشجعهم على تقديم أفضل ما لديهم. أما الموظفون الذين يحصلون على تقييم دون المستوى المطلوب، فسيخضعون لبرامج تدريبية تهدف إلى تحسين أدائهم.

 

تعزيز الاستقرار الوظيفي

 

بفضل التعديلات التي طالت نظام العقود والإجازات، سيتمكن الموظفون من اتخاذ قراراتهم المهنية بثقة أكبر، مما يعزز استقرارهم الوظيفي ويتيح لهم تحسين أوضاعهم المعيشية دون الإضرار بمصالح العمل.

 

زيادة الكفاءة التنظيمية

 

تساهم ضوابط النقل ودراسات عبء العمل في تحقيق توزيع أفضل للموارد البشرية، مما يقلل من الفجوات بين الدوائر ويزيد من الكفاءة التنظيمية. كذلك، فإن إدماج نظامي الخدمة المدنية وإدارة الموارد البشرية في وثيقة واحدة يسهل من عمل مديري الموارد البشرية ويضمن وضوح الإجراءات.

 

التحديات المحتملة وآفاق المستقبل

 

رغم الإشادة الواسعة التي حظيت بها التعديلات، تبقى هناك بعض التحديات المتعلقة بتطبيقها على أرض الواقع. نجاح هذه التعديلات يعتمد بشكل كبير على التزام الإدارات العليا بتنفيذها، إلى جانب توفير برامج تدريبية شاملة لتعريف الموظفين والمديرين بها.

 

معالي الدكتور خير أبو صعليك أكد خلال اللقاء أن المواطن سيبدأ بملاحظة الفرق في جودة الخدمات مع تطبيق هذه التعديلات، خاصة مع بدء تقييم الأداء منتصف العام الجاري. كما أشار إلى أن الحكومة ستواصل مراقبة تطبيق النظام لضمان تحقيق أهدافه.

ختامًا

 

تعد التعديلات الجديدة على نظام إدارة الموارد البشرية خطوة جريئة نحو تحسين أداء القطاع العام الأردني. من خلال تحقيق التوازن بين احتياجات الموظفين ومتطلبات العمل الحكومي، تسعى هذه التعديلات إلى خلق بيئة عمل محفزة وعادلة، تعود بالنفع على الموظف والمواطن على حد سواء. مع استمرار الجهود الحكومية في هذا الاتجاه، يبدو أن الأردن ماضٍ نحو مستقبل واعد يرتكز على كفاءة قطاعه العام ورضا مواطنيه.

https://youtu.be/wrPXzKgnV7M?si=NcmkeCXLgQxUbycb